بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
أولا - معنى الوسوسة
الوسوسة : هي الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه
فالوسواس الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألُقي إليه و إما بغير صوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد . قاله ابن القيم (بدائع الفوائد - (ج 3 / ص 115) و قد تُلقى الوسوسة في الأذن أو في القلب . كما قاله ابن القيم و ابن تيمية .
ثانيا - أقسام الوسوسة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الوسوسة نوعان : نوع من الجن ونوع من نفوس الإنس . كما قال : { و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه } فالشر من الجهتين جميعا والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين ) (مجموع الفتاوى - ج 17 / ص 517 )
و قال شيخ الإسلام : ( و قد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس و الشيطان فقال : ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه و ما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه )
- قد يكون هناك وسوسة بخير فهل هي من الشيطان ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( الفرق بين الإلهام المحمود و بين الوسوسة المذمومة هو الكتاب و السنة فإن كان مما ألقي في النفس مما دل الكتاب و السنة على أنه تقوى لله فهو من الإلهام المحمود و إن كان مما دل على أنه فجور فهو من الوسواس المذموم و هذا الفرق مطرد لا ينتقض ) (مجموع الفتاوى - ج 17 / ص 517 )
- هل هناك من الخلق من هو معافى من الوسوسة ؟
قال شيخ الإسلام : ( و لا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس ؛ فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا ؛ ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمنا وإما أن يصير منافقا )
- الوساوس تشتد على من ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( و يعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة و لهذا يوجد عند طلاب العلم و العبادة من الوساوس و الشبهات ما ليس عند غيرهم لأنه لم يسلك شرع الله و منهاجه ؛ بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه . و هذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم و العبادة )
و قال ابن تيمية : ( و لهذا قيل لبعض السلف : إن اليهود و النصارى يقولون : لا نوسوس فقال صدقوا و ما يصنع الشيطان )
- في أي الأوقات تشتد الوسوسة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( و لهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه و التقرب إليه و الاتصال به ؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم )
و قال شيخ الإسلام : ( و كلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق كلما أراد العبد يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه )
- هل الوساوس باختيار الأنسان ؟
قال ابن تيمية : ( و هذه " الوسوسة " هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد و نفاه كانت كراهته صريح الإيمان و قد خاف من خاف من الصحابة من العقوبة على ذلك فقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ) (مجموع الفتاوى - ج 17 / ص 517 )
ثالثا - طرق علاج الوساوس و دفعها :
1 - : الاستعاذة بالله من الشيطان
قال ابن تيمية : (و لهذا أمر قارئ القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب الإيمان العظيم و تزيده يقينا و طمأنينة و شفاء )
2 - : العلم الشرعي
خاصة بالمسائل التي تقع فيها الوسوسة كالوسوسة في الوضوء . فلابد أن يتعلم أحكام الوضوء و أن الوضوء فوق ثلاث مرات لا يجوز الزيادة عليه .
قال ابن تيمية : ( و لهذا قال بعض العلماء : الوسوسة إنما تحصل لعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل )
و قد يظن أنه بالاحتياط الزائد في النجاسات صار من أهل الديانة والورع .
قال ابن تيمية : و هذه حال أهل الوسوسة في النجاسات ؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين وضعف عقل وعلم ) (مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 517)
3 - : الثبات على الذكر والصلاة
قال ابن تيمية : ( فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر و يلازم ما هو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } )
4 - : الثبات على الحق و الرد على الشيطان
قال ابن تيمية : (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم العبد أن يقول : آمنت بالله أو آمنت بالله ورسوله فإن هذا القول إيمان وذكر الله يدفع به ما يضاده من الوسوسة القادحة في العلوم الضرورية الفطرية ويشبه هذا الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في العبادات حتى يشككه هل كبر أو لم يكبر ؟ وهل قرا الفاتحة أم لا ؟ وهو نوى العبادة أم لم ينوها ؟ وهل غسل عضوه في الطهارة او لم يغسله فيشككه في علومه الحسية الضرورية وكونه غسل عضوا أمر يشهده ببصره وكونه تكلم بالتكبير أو الفاتحة أمر يعلمه بقلبه ويسمعه بأذنه وكذلك كونه يقصد الصلاة مثل كونه يقصد الأكل والشرب والركوب والمشي وعلمه بذلك كله علم ضروري يقيني اولى لا يتوقف على النظر والاستدلال ولا يتوقف على البرهان بل هو مقدمات البرهان وأصوله التي يبنى عليها البرهان أعني البرهان النظري المؤلف من المقدمات ، و هذا الوسواس يزل بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال : لم تغسل وجهك ؟ بلى قد غسلت وجهي وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه : بلى قد نويت وكبرت فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوسواس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول ونتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة ) (درء التعارض - ج 4 / ص 81 )
و ملخص كلام ابن تيمية في الذي ابتلي بالوسواس مثلا في الطهارة أن يقول حصل غسل أعضائي و ينتهي و يصلي ول و جلس الشيطان يوسوس لا يتلفت لكلامه بل يذهب . و يقول غسلت أعضائي و فعلت ما أمر النبي صلى الله عليه و سلم . و كذلك من ابتلي بالوسوسة بأن في ثيابه نجاسة بل يقول هي طاهرة و لا يلتفت له حتى لا يجره و يسوقه الشيطان للهلكة .
5 - : الفراغ سبب من أسباب الوسوسة
فلابد للإنسان أن يشغل نفسه بما يفيد من عمل أو قراءة أو ذكر
قال شيخ الإسلام : ( السكوت بلا قراءة و لا ذكر و لا دعاء ليس عبادة و لا مأمورا به ؛ بل يفتح باب الوسوسة فالاشتغال بذكر الله أفضل من السكوت و قراءة القرآن من أفضل الخير ، و إذا كان كذلك فالذكر بالقرآن أفضل من غيره ) ( مجموع الفتاوى - ج 23 / ص 285 )
و الله أعلم