تعريف القرين :
هو شيطان يوكل بالإنسان من ساعة مولده و حتى وفاته حيث يخرج من جسد الإنسان وعمله أن يوسوس للإنسان بفعل الشر و الغواية إلى ترك الخير . لا نعلم الخلقة التي خلقه الله عليها و إنما هو خلق من خلق الله ، و الأصل في الشياطين عموما لا يراها الإنسان إلا حال تشكلهم بدليل الآية الكريمة : ( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) سورة الأعراف (27)
و كما جاء في الحديث من حيث التشكل أن النبي صلي الله علية و سلم قال : " إن بالمدينة نفرأ من الجن قد أسلموا فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان "
الفرق بين القرين و بين العارض :
هو أن العارض إن كان جاء عن طريق مس أو سحر أو حسد أو البعد عن ذكر الله كما في الآية الكريمة : ( وَ مَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) ، فإنه يزول بزوال سببه أي إن اتفك السحر أو زال المس أو زال الحسد أو إن رجع الإنسان إلي ربه فإن هذا العارض يزول منه نهائيا .
أما القرين فلا يفارق الإنسان على الاطلاق لأن عمله الوسوسة و الغواية إلى أن يموت الإنسان .
و هذه فتوى متعلقة بالقرين :
هل حقاً أن لكل إنسان قريناً ؟ و هل القرين هو من الجان ؟ و كيف يمكن السيطرة عليه ليكون طيباً و ليس كافراً ؟
جزاكم الله خيراً .
الفتوى :
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه أما بعد :
فقد ثبت شرعاً أن لكل إنسان قريناً من الشياطين ، قال سبحانه : (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [قّ:27] ، و قد ذكر القرطبي أن القرين في الآية هو : الشيطان، و حكى المهدوي : عدم الخلاف في هذا .
و أخرج أحمد و مسلم عَن عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ وَ قَدْ وُكّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنّ ". قَالُوا : وَ إِيّاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ "وَ إِيّايَ. إِلاّ أَنّ اللّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاّ بِخَيْرٍ " .
و أخرج مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها : " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و سلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً . قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ . فَجَاءَ فَرَأَىَ مَا أَصْنَعُ . فَقَالَ : " مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ ؟ " فَقُلْتُ : وَ مَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَىَ مِثْلِكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم : " أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ؟ " قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ ؟! قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : وَ مَعَ كُلّ إِنْسَانٍ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : وَ مَعَكَ ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ : " نَعَمْ . وَ لَكِنْ رَبّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتّىَ أَسْلَمَ " .
و المقصود بالقرين شيطان يقترن بابن آدم ، و يسعى جاهداً ليضله عن سواء السبيل ، و لا يمكن للمسلم أن يسيطر على قرينه و يدخله في الإسلام ، لأن الله سبحانه جعل ذلك ابتلاءً للعبد ، ليعلم المؤمن من غيره ، و قرين النبي صلى الله عليه و سلم لم يؤمن و يصبح مسلماً على الراجح من أقوال أهل العلم ، و إنما استسلم له و انقاد ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم : " فأسلم " روي برفع الميم و فتحها ، فعلى الرفع فهو فعل مضارع ، وي كون المعنى : أسلمُ من شره و فتنته ، و على الفتح ، فهو فعلٍ ماض و يحتمل معنيين :
الأول : أنه أسلم و دخل في الإسلام ، و هذا مدفوع كما سيأتي .
الثاني : أن أسلم هنا بمعنى : استسلم و انقاد . و قد جاءت الرواية كهذا في غير صحيح مسلم ، كما قال النووي في شرحه .
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية عدم إسلام قرين النبي صلى الله عليه و سلم قائلاً : أي استسلم و انقاد ، و كان ابن عيينه يرويه فأسلم بالضم ، و يقول : إن الشيطان لا يُسلم ، لكن قوله في الرواية الأخرى : فلا يأمرني إلا بخير ، دل على أنه لم يبق يأمره بالشر ، و هذا إسلامه ، و إن كان ذلك كناية عن خضوعه و ذلته لا عن إيمانه بالله ، كما يقهر الرجل عدوه الظاهر و يأسره ، و قد عرف العدو المقهور أن ذلك القاهر يعرف ما يشير به عليه من الشر فلا يقبله ، بل يعاقبه على ذلك ، فيحتاج لانقهاره معه إلى أنه لا يشير عليه إلا بخير لذلته و عجزه لا لصلاحه ودينه ، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : " إلا أن الله أعانني عليه ، فلا يأمرني إلا بخير " انتهى .
و على كلٍ ، فعلى المسلم مدافعة هذا الشيطان ، و هذا هو المطلوب منه شرعاً ، و هو أمر مقدور عليه ، و هذا القرين تارة يوسوس بالشر ، و لذا جاء الأمر بالاستعاذة من شر وسوسته في سورة الناس : ( مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ) [الناس:3-6] .
و تارة ينسي الخير ، قال سبحانه : ( فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) [يوسف:42] .
و تارة يعدُ و يُمَنِّي ، قال تعالى : ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ) [النساء:120]
و تارة يقذف في القلب الوسوسة المرعبة ، قال سبحانه : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ ) [آل عمران:175] .
فكيده محصور في ما ذكرنا .
فاستعن بالله على مدافعته ، و الانتصار عليه .
و الله أعلم .