إن الله سبحانه و تعالى لم يقصص علينا القصص في القرآن الكريم عبثا أو تسلية ، و إنما قص علينا قصص الأمم السابقة حتى نأخذ العبرة و نتعلم . و مما استوقفني في هذه القصص و أنا أتلو كتاب الله تعالى قصة أصحاب السبت الذين حرم الله تعالى عليهم صيد السمك يوم السبت و أحل لهم الصيد باقي أيام الأسبوع ، و لكنهم تحايلوا على أمر الله تعالى و ظنوا أنفسهم بهذه الحيلة أنهم سينجون من عقاب الله . و في هذا يقول الله تعالى ( و اسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت ، إذ تاتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا و يوم لا يسبتون لا تاتيهم ، كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) نفهم من قوله تعالى أن هذه القرية كانت قرية ساحلية مطلة على البحر و كان رزقهم مما تصطاده شباكهم من السمك و الحيتان ، فأراد الله سبحانه و تعالى أن يختبرهم فحرم عليهم الصيد يوم السبت و أحله لهم باقي أيام الأسبوع ، و زيادة في اختبار مدى التزامهم بأوامره جعل الحيتان و الأسماك تأتي يوم السبت بكثرة و تشاهد حتى بالعين و هي تسبح على الشاطئ ، أما باقي الأيام فقليلة جدا و يكون الصيد شاقا . فلما رأوا حالهم و أحسوا بقلة الصيد فكروا في حيلة و هي أن يرموا شباك صيدهم يوم الجمعة و يسحبوها صباح الأحد ، و بهذا يقولوا نحن لم نصطد يوم السبت ، بل ألقينا الشباك يوم الجمعة و سحبناها يوم الأحد . فانقسم القوم هنا إلى ثلاث فرق : فرقة ظالمة تعدت حدود الله و انتهكت أمره و هم الذين ألقوا الشباك يوم الجمعة ثم سحبوها صبيحة الأحد و فرقة لم تنكر عليهم هذا الأمر بل سكتت عنه ولم تعارض و لم تستنكر ، بل اكتفوا بالملاحظة فقط و هم الذين قال فيهم الله تعالى ( و إذ قالت أمة منهم لم تعضون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) و فرقة أنكرت ذلك الأمر و نهت عنه و استنكرته بشدة ، و هم الذين قال فيهم الله تعالى ( قالوا معذرة إلى ربكم و لعلهم يتقون ) يعني أعذرنا إلى الله و نصحنا . و هنا جاء عقاب الله تعالى فعاقب المعتدين الظالمين و عاقب كذلك الذين لم ينصحوا و لم يستنكروا و اكتفوا بالمشاهدة و نجا الله تعالى برحمته الذين استنكروا هذا الأمر و لم يرضوه و نهوا عنه ، و في هذا يقول الله تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب بيس بما كانوا يفسقون ) . فالعبرة ليست بعدم المشاركة في الذنب أو الإثم و نكتفي بالمشاهدة من بعيد فقط و نقول لا دخل لنا فالأمر لا يعنينا ما دمنا لسنا معهم ، لا ليس هكذا ، بل علينا أن لا نرضى بالمنكر و يجب أن ننهى عنه قدر المستطاع و بذلك نعذر إلى ربنا سبحانه و تعالى ، و في هذا يقول الله تعالى ( و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون ) لم يقل الله تعالى و أهلها صالحون و إنما قال و أهلها مصلحون ، فما دمنا ننهى عن المنكر و نأمر بالمعروف فنحن على خير ، و إذا سكتنا عن الأمر بالمعروف و رضينا بالمنكر و لم ننه عنه بقدر استطاعتنا و كل واحد منا من موقعه فلا نأمن من سخط الله علينا و عقابه .