اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي . و استدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) و مسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ ، وَ ذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ) .
قال الحافظ : وَ يُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ . اهـ
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي فلا يخلو من حالين :
الأولى :
أن يكون التأخير بعذر ، كما لو كان مريضاً و استمرَّ به المرض حتى دخل رمضان التالي ، فهذا لا إثم عليه في التأخير لأنه معذور . و ليس عليه إلا القضاء فقط . فيقضي عدد الأيام التي أفطرها .
الحال الثانية :
أن يكون تأخير القضاء بدون عذر ، كما لو تمكن من القضاء و لكنه لم يقض حتى دخل رمضان التالي .
فهذا آثم بتأخير القضاء بدون عذر ، و اتفق الأئمة على أن عليه القضاء ، و لكن اختلفوا هل يجب مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً أو لا ؟
فذهب الأئمة مالك و الشافعي و أحمد أن عليه الإطعام . و استدلوا بأن ذلك قد ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة و ابن عباس رضي الله عنهم .
و ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب مع القضاء إطعام . و استدل بأن الله تعالى لم يأمر مَنْ أفطر من رمضان إلا بالقضاء فقط و لم يذكر الإطعام ، قال الله تعالى : ( وَ مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185.
انظر : المجموع (6/366) ، المغني (4/400) .
و هذا القول الثاني اختاره الإمام البخاري رحمه الله ، قال في صحيحه :
قَالَ إِبْرَاهِيمُ - يعني : النخعي - : إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا ، وَ يُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ . ثم قال البخاري : وَ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ ، إِنَّمَا قَالَ : ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) . اهـ
و قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله و هو يقرر عدم وجوب الإطعام :
و أما أقوال الصحابة فإن في حجتها نظراً إذا خالفت ظاهر القرآن ، و هنا إيجاب الإطعام مخالف لظاهر القرآن ، لأن الله تعالى لم يوجب إلا عدة من أيام أخر ، و لم يوجب أكثر من ذلك ، و عليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة ، على أن ما روي عن ابن عباس و أبي هريرة رضي الله عنهم يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير . اهـ
الشرح الممتع (6/451) .
و على هذا فالواجب هو القضاء فقط ، و إذا احتاط الإنسان و أطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً .
و الله تعالى المسؤول أن يوفقنا لما يحب و يرضى .
و الله أعلم .
الإسلام سؤال و جواب